29 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | عدنا من الثورة الصغرى إلى الثورة الكبرى

إيقاع مختلف | عدنا من الثورة الصغرى إلى الثورة الكبرى

(أرشيف المشهد)

4-11-2011 | 00:52

 كانت تلك الليلة من شهر فبراير ليلة استثنائية بالمقاييس كلها... لأنها كانت تعني أن المعجزة قد تحققت، وأن الإنجاز التاريخي للشعب المصري قد تحقق حين حمل رأس النظام وألقى به في المكان الذي يستحقه، لذلك كان من حق المصريين جميعًا أن يطلقوا شعارهم الرائع "ارفع راسك فوق انت مصري".

ثم ماذا بعد؟

الذى كان بعد ذلك هو ما رأيناه جميعا وما عشناه جميعا ومازلنا نراه ونعيشه حتى الآن، البعض سماه حراكا اجتماعيا، والبعض اعتبره فوضى مؤقتة، والبعض تعامل معه باعتباره ضريبة لابد من دفعها، والبعض قال إنه ليس له اسم آخر غير سرقة الثورة واختطافها والقفز على مكاسبها، والبعض الآخر نظر إلى ما يحدث على أنه تعجل اقتسام الغنائم، وكأن لسان حاله يقول: يا رماة أُحد الزموا أماكنكم فالموقعة لم تنته بعد.

الحقيقة أنى لا أستطيع أن أرفض أيا من هذه التسميات، لكنى منذ أول أيام انطلاق الثورة، بل وقبل انطلاقها، كنت أوقن أن هذه الثورة على عظمتها وجلالها وإعجازها هى الثورة الصغرى التى يبين فيها الهدف وتتحد فيها الرؤى وتتكامل فيها الجهود وتأتلف فيها الطوائف على الوصول إلى غاية واحدة وهذا هو وجه اليسر فى تحقيقها، لأنه لا يتصور أبدا أن تهب هذه الأمة كلها على قلب رجل واحد ثم تقف أمامها قوة أيا ما كانت أو نظام أيا ما بلغت قوته وسطوته.

أما الثورة الكبرى التى علينا أن ننهض بها بالعزيمة ذاتها فهى هذه التى نحياها الآن والتى تفرض علينا جميعا ألا نستسلم لهذا التيار المحبط السارى فى الشارع المصرى ولا نشتط فى الخلاف بين تياراتنا المختلفة إلى حد التناقض أحيانا وأن نغير واقعنا ونتغير نحن أنفسنا بما يحدث ثورة على الذات تعيدنا إلى ذواتنا وتصلح تلك التشوهات النفسية والاجتماعية التى أجبرت الشخصية المصرية على أن تحملها خلال العقود الماضية.

أنا أرى أن فترة الانتخابات القادمة ينبغى أن تكون البرهان الأسطع الذى يقدمه المصريون (البسطاء) على أنهم أعمق وعيا وأكثر تحضرا حتى من نخبتهم الثقافية ... وأنه إذا كانت كل مشاريع العزل السياسيى وقوانين الغدر قد باءت بالفشل فإن هؤلاء (البسطاء) سوف يلقنوننا جميعا درسا فى ممارسة إقصاء الفاسدين من كل التيارات وأولهم دون شك الفاسدون والمفسدون والقابلون للفساد فى العهد الساقط.

وأنتظر أن يقدم لنا هؤلاء (البسطاء) الدليل العملى على أن الشعب المصرى يستحق ثورته بالفعل، وأن خوف الخائفين من أن يغرر بالبسطاء تحت شعار دينى أو فساد مالى أو خشية من البلطجة لم يكن إلا جهلا بمعدن المصرى الحقيقى لأنه كان مستبعدا طوال العقود الماضية إلى الحد الذى جعل جوهر معدنه يخفى حتى على نخبته المثقفة والسياسية.

هل أنا مسرف فى التفاؤل إلى حد السذاجة؟ وهل أنا محلق فى الحلم إلى حد الانفصال على الواقع؟ وهل أنا سابح فى أمنية رومانسية أكثر من كونى قارئا لخريطة الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر الآن؟

والله أنا لا أرى نفسى واهما ولا حالما ولا سابحا فى الأمنيات بل عارفا بجوهر الإنسان المصرى الحقيقى، واثقا فى قدرته وعنفوانه الاجتماعى والحضارى، ولكنى أسارع إلى الاحتراز فأقول نعم كل ما قلته صحيح بشرط أن نستحضر المعنى الكبير الذى اخترته عنوانا للمقال: لقد عدنا من الثورة الصغرى إلى الثورة الكبرى.

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان